قد تكون هذه القصة غريبة على من لم يلتق بصاحبها شخصيًّا، ويسمع ما قاله بأذنيه ويراه بأم عينيه، فهي قصة خيالية النسج، واقعية الأحداث، تجسدت أمام ناظري بكلمات صاحبها وهو يقبع أمامي قاصًّا عليَّ ما حدث له شخصيًّا، ولمعرفة المزيد بل ولمعرفة كل الأحداث المشوقة.. دعوني أصحبكم لنتجه معًا إلى "جوهانسبرج" مدينة مناجم الذهب الغنية بدولة جنوب إفريقيا؛ حيث كنت أعمل مديرًا لمكتب رابطة العالم الإسلامي هناك. كان ذلك في عام 1996م، وكنا في فصل الشتاء الذي حل علينا قارسًا في تلك البلاد، وذات يوم كانت السماء فيه ملبدة بالغيوم، وتنذر بهبوب عاصفة شتوية عارمة، وبينما كنت أنتظر شخصًا قد حددت له موعدًا لمقابلته، وكانت زوجتي في المنزل تُعِدُّ طعام الغداء؛ حيث سيحل ذلك الشخص ضيفًا كريمًا عليَّ بالمنزل.
كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب إفريقي السابق الرئيس "نلسون مانديلا"، شخصية كانت تهتم بالنصرانية، وتروج وتدعو لها.. إنها شخصية "القسيس سيلي". لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة "عبد الخالق ميتر"؛ حيث أخبرني أن قسيسًا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر مهم.
وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكمًا، وأصبح عضوًا في رابطة الملاكمة بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة، شديد سواد البشرة، دائم الابتسام. جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف. فقلت له: أخي سيلي، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام؟ ابتسم سيلي وقال: نعم، بكل تأكيد. وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام، وركزوا لما قاله لي، ثم احكموا بأنفسكم.
قال سيلي: كنت قسيسًا نشطًا للغاية، أخدم الكنيسة بكل جدٍّ واجتهاد، ولا أكتفي بذلك، بل كنت من كبار المنصِّرين في جنوب إفريقيا، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالتنصير بدعم منه، فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي.
فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا؛ لكي أصل إلى مبتغاي، وأدخل الناس في دين النصرانية. وكانت الكنيسة تغدق عليَّ، فأصبحت غنيًّا، لديَّ منزل، وسيارة، وراتب جيد، ومكانة مرموقة بين القساوسة.
وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي، وهناك كانت المفاجأة! ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية، وكان تاجرًا يبيع الهدايا، وكنت ألبس ملابس القسيسين الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا. وعرفت أن الرجل مسلم -ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب إفريقيا: دين الهنود، ولا نقول دين الإسلام- وبعد أن اشتريت ما أريد من هدايا, بل قُلْ من فخاخ نوقع بها السذج من الناس، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي، كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين والجنوب إفريقيين؛ لنخدعهم بالدين المسيحي وننصّرهم.فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس، أليس كذلك؟
فقلت له: نعم.
فسألني: من هو إلهك؟
فقلت له: المسيح هو الإله.
فقال لي: إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في الإنجيل تقول على لسان المسيح شخصيًّا أنه قال: أنا الله، أو أنا ابن الله، فاعبدوني.
وإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة، ولم أستطع أن أجيبه، وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة، وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله.
وأسقط في يدي، وأحرجني الرجل، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلاً بدون اتجاه معين.
ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر، ولكنني عجزت وهزمت. فذهبت للمجلس الكنسي، وطلبت أن أجتمع بأعضائه، فوافقوا. وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت، فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي: خدعك الهندي، إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم: إذن أجيبوني، وردُّوا على تساؤله، فلم يُجِبْ أحد!
وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة، ووقفت أمام الناس لأتحدث، فلم أستطع، وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة، وطلبت من صديق لي أن يحل محلي، وأخبرته بأنني منهك.. وفي الحقيقة كنت منهارًا، ومحطمًا نفسيًّا. وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه، ثم رفعت بصري إلى السماء، وأخذت أدعو، ولكن أدعو مَن؟ لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق.. وقلت في دعائي: "ربي.. خالقي. لقد أُقفلت الأبواب في وجهي غير بابك، فلا تحرمني من معرفة الحق، أين الحق؟ وأين الحقيقة؟ يا رب.. يا رب.. لا تتركني في حيرتي، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة". ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي.. إذا بي أرى في المنام أنى في قاعة كبيرة جدًّا، ليس فيها أحد غيري، وفي صدر القاعة ظهر رجل، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق، ولكني أيقنت بأنه رجل منير.فأخذ الرجل يشير إليَّ وينادي: يا إبراهيم! فنظرت حولي لأشاهد من هو إبراهيم؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة.فقال لي الرجل: أنت إبراهيم.. اسمك إبراهيم.. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة؟
قلت: نعم.
قال: انظر إلى يمينك.. فنظرت إلى يميني، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها، وتلبس ثيابًا بيضًاء، وعمائم بيضاء. وتابع الرجل قوله: اتبع هؤلاء، لتعرف الحقيقة!
واستيقظت من النوم، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني، ولكني لست مرتاحًا عندما أخذت أتساءل.. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي؟ وصممت على مواصلة المشوار، مشوار البحث عن الحقيقة، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله I. فأخذت إجازة من عملي، ثم بدأت رحلة بحث طويلة، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجالٍ يلبسون ثيابًا بيضاء، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا.
وطال بحثي وتجوالي، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال، ويضعون على رءوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة "جوهانسبرج"، حتى إنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي إفريقيا في هذا المبنى، وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة، فظن أنني شحاذٌ، ومد يده ببعض النقود، فقلت له: ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا؟ فدلني على مسجد قريب.. فتوجهت نحوه.. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري، فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابًا بيضاء، ويضع على رأسه عمامة. ففرحت، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي.. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى، فإذا بالرجل يبادرني قائلاً، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة: مرحبًا إبراهيم! فتعجبت وصعقت بما سمعت! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرِّفه بنفسي.
فتابع الرجل قائلاً: لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده.. الإسلام.
فقلت له: نعم، أنا أبحث عن الحقيقة، ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ما تلبس.. فهل يمكنك أن تقول لي، من ذلك الذي رأيت في منامي؟
فقال الرجل: ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق، رسول الله ! ولم أصدق ما حدث لي، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه، وأقول له: أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم، أتاني ليدلني على دين الحق؟قال الرجل: أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة.
ثم جاء وقت صلاة الظهر، فأجلسني الرجل في آخر المسجد، وذهب ليصلي مع بقية الناس، وشاهدت المسلمين -وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل- شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله، فقلت في نفسي: والله إنه الدين الحق، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سُجَّدًا لله.
وبعد الصلاة ارتاحت نفسي، واطمأنت لما رأيت وسمعت، وقلت في نفسي: والله لقد دلني الله I على الدين الحق، وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي، ونطقت بالشهادتين، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا؛ فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية.
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلاً، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا، يدعون الناس للإسلام، وفرحت بصحبتي لهم، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي، أنكروا عليَّ ذلك، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلاً. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني؛ لتركي دين آبائي وعشيرتي. وقالوا لي: لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك!
فقلت لهم: لم يخدعني ولم يضلني أحد.. فقد جاءني رسول الله محمد في منامي ليدلني على الحقيقة، وعلى الدين الحق.. إنَّه الإسلام، وليس دين الهنود كما تدعونه.. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام.
فبهتوا! ثم جاءوني من باب آخر، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب.
فقالوا لي: إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة!
فرفضت كل ذلك، وقلت لهم: أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني؟! والله لن أفعل ذلك، ولو قطعت إربًا. ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام، فأسلم اثنان من القسس، والحمد لله.
فلما رأوا إصراري، سحبوا كل رتبي ومناصبي، ففرحت بذلك، بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك، ثم قمت وأرجعت لهم ما لديَّ من أموال وعهدة، وتركتهم.
قصة إسلام إبراهيم سيلي، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور "عبد الخالق ميتر" سكرتير مكتب الرابطة بجنوب إفريقيا، وكذلك بحضور شخصين آخرين.. وأصبح القس سيلي الداعية "إبراهيم سيلي" المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب إفريقيا. ودعوت القس إبراهيم -آسف الداعية إبراهيم سيلي- لتناول طعام الغداء بمنزلي، وقمت بما ألزمني به ديني، فأكرمته غاية الإكرام، ثم ودعني إبراهيم سيلي؛ فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة في رحلة عمل، حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون.ثم عدت لجنوب إفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ، فعرفته، وسلمت عليه.
وسألته: ماذا تفعل هنا يا إبراهيم؟
قال لي: إنني أجوب مناطق جنوب إفريقيا، أدعو إلى الله، وأنقذ أبناء جلدتي من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام.
وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همُّه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرًا نحو آفاق رحبة.. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله.. ولقد شاهدته وقد تغيَّر وجهه، واخلولقت ملابسه، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة! ولم يمد يده يريد دعمًا!
وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين: أنتم أناس تلعبون بالدعوة.. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله!!
نعم إخواني، لقد تقاعسنا وتثاقلنا إلى الأرض، وغرتنا الحياة الدنيا.. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي، والداعية الإسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين!! فيا رب رحماك!!
كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب إفريقي السابق الرئيس "نلسون مانديلا"، شخصية كانت تهتم بالنصرانية، وتروج وتدعو لها.. إنها شخصية "القسيس سيلي". لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة "عبد الخالق ميتر"؛ حيث أخبرني أن قسيسًا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر مهم.
وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكمًا، وأصبح عضوًا في رابطة الملاكمة بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة، شديد سواد البشرة، دائم الابتسام. جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف. فقلت له: أخي سيلي، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام؟ ابتسم سيلي وقال: نعم، بكل تأكيد. وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام، وركزوا لما قاله لي، ثم احكموا بأنفسكم.
قال سيلي: كنت قسيسًا نشطًا للغاية، أخدم الكنيسة بكل جدٍّ واجتهاد، ولا أكتفي بذلك، بل كنت من كبار المنصِّرين في جنوب إفريقيا، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالتنصير بدعم منه، فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي.
فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا؛ لكي أصل إلى مبتغاي، وأدخل الناس في دين النصرانية. وكانت الكنيسة تغدق عليَّ، فأصبحت غنيًّا، لديَّ منزل، وسيارة، وراتب جيد، ومكانة مرموقة بين القساوسة.
وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي، وهناك كانت المفاجأة! ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية، وكان تاجرًا يبيع الهدايا، وكنت ألبس ملابس القسيسين الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا. وعرفت أن الرجل مسلم -ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب إفريقيا: دين الهنود، ولا نقول دين الإسلام- وبعد أن اشتريت ما أريد من هدايا, بل قُلْ من فخاخ نوقع بها السذج من الناس، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي، كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين والجنوب إفريقيين؛ لنخدعهم بالدين المسيحي وننصّرهم.فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس، أليس كذلك؟
فقلت له: نعم.
فسألني: من هو إلهك؟
فقلت له: المسيح هو الإله.
فقال لي: إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في الإنجيل تقول على لسان المسيح شخصيًّا أنه قال: أنا الله، أو أنا ابن الله، فاعبدوني.
وإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة، ولم أستطع أن أجيبه، وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة، وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله.
وأسقط في يدي، وأحرجني الرجل، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلاً بدون اتجاه معين.
ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر، ولكنني عجزت وهزمت. فذهبت للمجلس الكنسي، وطلبت أن أجتمع بأعضائه، فوافقوا. وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت، فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي: خدعك الهندي، إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم: إذن أجيبوني، وردُّوا على تساؤله، فلم يُجِبْ أحد!
وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة، ووقفت أمام الناس لأتحدث، فلم أستطع، وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة، وطلبت من صديق لي أن يحل محلي، وأخبرته بأنني منهك.. وفي الحقيقة كنت منهارًا، ومحطمًا نفسيًّا. وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه، ثم رفعت بصري إلى السماء، وأخذت أدعو، ولكن أدعو مَن؟ لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق.. وقلت في دعائي: "ربي.. خالقي. لقد أُقفلت الأبواب في وجهي غير بابك، فلا تحرمني من معرفة الحق، أين الحق؟ وأين الحقيقة؟ يا رب.. يا رب.. لا تتركني في حيرتي، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة". ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي.. إذا بي أرى في المنام أنى في قاعة كبيرة جدًّا، ليس فيها أحد غيري، وفي صدر القاعة ظهر رجل، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق، ولكني أيقنت بأنه رجل منير.فأخذ الرجل يشير إليَّ وينادي: يا إبراهيم! فنظرت حولي لأشاهد من هو إبراهيم؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة.فقال لي الرجل: أنت إبراهيم.. اسمك إبراهيم.. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة؟
قلت: نعم.
قال: انظر إلى يمينك.. فنظرت إلى يميني، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها، وتلبس ثيابًا بيضًاء، وعمائم بيضاء. وتابع الرجل قوله: اتبع هؤلاء، لتعرف الحقيقة!
واستيقظت من النوم، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني، ولكني لست مرتاحًا عندما أخذت أتساءل.. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي؟ وصممت على مواصلة المشوار، مشوار البحث عن الحقيقة، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله I. فأخذت إجازة من عملي، ثم بدأت رحلة بحث طويلة، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجالٍ يلبسون ثيابًا بيضاء، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا.
وطال بحثي وتجوالي، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال، ويضعون على رءوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة "جوهانسبرج"، حتى إنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي إفريقيا في هذا المبنى، وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة، فظن أنني شحاذٌ، ومد يده ببعض النقود، فقلت له: ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا؟ فدلني على مسجد قريب.. فتوجهت نحوه.. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري، فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابًا بيضاء، ويضع على رأسه عمامة. ففرحت، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي.. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى، فإذا بالرجل يبادرني قائلاً، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة: مرحبًا إبراهيم! فتعجبت وصعقت بما سمعت! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرِّفه بنفسي.
فتابع الرجل قائلاً: لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده.. الإسلام.
فقلت له: نعم، أنا أبحث عن الحقيقة، ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ما تلبس.. فهل يمكنك أن تقول لي، من ذلك الذي رأيت في منامي؟
فقال الرجل: ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق، رسول الله ! ولم أصدق ما حدث لي، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه، وأقول له: أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم، أتاني ليدلني على دين الحق؟قال الرجل: أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة.
ثم جاء وقت صلاة الظهر، فأجلسني الرجل في آخر المسجد، وذهب ليصلي مع بقية الناس، وشاهدت المسلمين -وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل- شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله، فقلت في نفسي: والله إنه الدين الحق، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سُجَّدًا لله.
وبعد الصلاة ارتاحت نفسي، واطمأنت لما رأيت وسمعت، وقلت في نفسي: والله لقد دلني الله I على الدين الحق، وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي، ونطقت بالشهادتين، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا؛ فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية.
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلاً، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا، يدعون الناس للإسلام، وفرحت بصحبتي لهم، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي، أنكروا عليَّ ذلك، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلاً. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني؛ لتركي دين آبائي وعشيرتي. وقالوا لي: لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك!
فقلت لهم: لم يخدعني ولم يضلني أحد.. فقد جاءني رسول الله محمد في منامي ليدلني على الحقيقة، وعلى الدين الحق.. إنَّه الإسلام، وليس دين الهنود كما تدعونه.. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام.
فبهتوا! ثم جاءوني من باب آخر، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب.
فقالوا لي: إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة!
فرفضت كل ذلك، وقلت لهم: أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني؟! والله لن أفعل ذلك، ولو قطعت إربًا. ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام، فأسلم اثنان من القسس، والحمد لله.
فلما رأوا إصراري، سحبوا كل رتبي ومناصبي، ففرحت بذلك، بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك، ثم قمت وأرجعت لهم ما لديَّ من أموال وعهدة، وتركتهم.
قصة إسلام إبراهيم سيلي، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور "عبد الخالق ميتر" سكرتير مكتب الرابطة بجنوب إفريقيا، وكذلك بحضور شخصين آخرين.. وأصبح القس سيلي الداعية "إبراهيم سيلي" المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب إفريقيا. ودعوت القس إبراهيم -آسف الداعية إبراهيم سيلي- لتناول طعام الغداء بمنزلي، وقمت بما ألزمني به ديني، فأكرمته غاية الإكرام، ثم ودعني إبراهيم سيلي؛ فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة في رحلة عمل، حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون.ثم عدت لجنوب إفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ، فعرفته، وسلمت عليه.
وسألته: ماذا تفعل هنا يا إبراهيم؟
قال لي: إنني أجوب مناطق جنوب إفريقيا، أدعو إلى الله، وأنقذ أبناء جلدتي من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام.
وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همُّه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرًا نحو آفاق رحبة.. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله.. ولقد شاهدته وقد تغيَّر وجهه، واخلولقت ملابسه، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة! ولم يمد يده يريد دعمًا!
وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين: أنتم أناس تلعبون بالدعوة.. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله!!
نعم إخواني، لقد تقاعسنا وتثاقلنا إلى الأرض، وغرتنا الحياة الدنيا.. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي، والداعية الإسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين!! فيا رب رحماك!!
قد تكون هذه القصة غريبة على من لم يلتق بصاحبها شخصيًّا، ويسمع ما قاله بأذنيه ويراه بأم عينيه، فهي قصة خيالية النسج، واقعية الأحداث، تجسدت أمام ناظري بكلمات صاحبها وهو يقبع أمامي قاصًّا عليَّ ما حدث له شخصيًّا، ولمعرفة المزيد بل ولمعرفة كل الأحداث المشوقة.. دعوني أصحبكم لنتجه معًا إلى "جوهانسبرج" مدينة مناجم الذهب الغنية بدولة جنوب إفريقيا؛ حيث كنت أعمل مديرًا لمكتب رابطة العالم الإسلامي هناك. كان ذلك في عام 1996م، وكنا في فصل الشتاء الذي حل علينا قارسًا في تلك البلاد، وذات يوم كانت السماء فيه ملبدة بالغيوم، وتنذر بهبوب عاصفة شتوية عارمة، وبينما كنت أنتظر شخصًا قد حددت له موعدًا لمقابلته، وكانت زوجتي في المنزل تُعِدُّ طعام الغداء؛ حيث سيحل ذلك الشخص ضيفًا كريمًا عليَّ بالمنزل.
كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب إفريقي السابق الرئيس "نلسون مانديلا"، شخصية كانت تهتم بالنصرانية، وتروج وتدعو لها.. إنها شخصية "القسيس سيلي". لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة "عبد الخالق ميتر"؛ حيث أخبرني أن قسيسًا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر مهم.
وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكمًا، وأصبح عضوًا في رابطة الملاكمة بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة، شديد سواد البشرة، دائم الابتسام. جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف. فقلت له: أخي سيلي، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام؟ ابتسم سيلي وقال: نعم، بكل تأكيد. وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام، وركزوا لما قاله لي، ثم احكموا بأنفسكم.
قال سيلي: كنت قسيسًا نشطًا للغاية، أخدم الكنيسة بكل جدٍّ واجتهاد، ولا أكتفي بذلك، بل كنت من كبار المنصِّرين في جنوب إفريقيا، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالتنصير بدعم منه، فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي.
فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا؛ لكي أصل إلى مبتغاي، وأدخل الناس في دين النصرانية. وكانت الكنيسة تغدق عليَّ، فأصبحت غنيًّا، لديَّ منزل، وسيارة، وراتب جيد، ومكانة مرموقة بين القساوسة.
وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي، وهناك كانت المفاجأة! ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية، وكان تاجرًا يبيع الهدايا، وكنت ألبس ملابس القسيسين الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا. وعرفت أن الرجل مسلم -ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب إفريقيا: دين الهنود، ولا نقول دين الإسلام- وبعد أن اشتريت ما أريد من هدايا, بل قُلْ من فخاخ نوقع بها السذج من الناس، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي، كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين والجنوب إفريقيين؛ لنخدعهم بالدين المسيحي وننصّرهم.فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس، أليس كذلك؟
فقلت له: نعم.
فسألني: من هو إلهك؟
فقلت له: المسيح هو الإله.
فقال لي: إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في الإنجيل تقول على لسان المسيح شخصيًّا أنه قال: أنا الله، أو أنا ابن الله، فاعبدوني.
وإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة، ولم أستطع أن أجيبه، وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة، وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله.
وأسقط في يدي، وأحرجني الرجل، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلاً بدون اتجاه معين.
ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر، ولكنني عجزت وهزمت. فذهبت للمجلس الكنسي، وطلبت أن أجتمع بأعضائه، فوافقوا. وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت، فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي: خدعك الهندي، إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم: إذن أجيبوني، وردُّوا على تساؤله، فلم يُجِبْ أحد!
وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة، ووقفت أمام الناس لأتحدث، فلم أستطع، وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة، وطلبت من صديق لي أن يحل محلي، وأخبرته بأنني منهك.. وفي الحقيقة كنت منهارًا، ومحطمًا نفسيًّا. وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه، ثم رفعت بصري إلى السماء، وأخذت أدعو، ولكن أدعو مَن؟ لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق.. وقلت في دعائي: "ربي.. خالقي. لقد أُقفلت الأبواب في وجهي غير بابك، فلا تحرمني من معرفة الحق، أين الحق؟ وأين الحقيقة؟ يا رب.. يا رب.. لا تتركني في حيرتي، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة". ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي.. إذا بي أرى في المنام أنى في قاعة كبيرة جدًّا، ليس فيها أحد غيري، وفي صدر القاعة ظهر رجل، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق، ولكني أيقنت بأنه رجل منير.فأخذ الرجل يشير إليَّ وينادي: يا إبراهيم! فنظرت حولي لأشاهد من هو إبراهيم؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة.فقال لي الرجل: أنت إبراهيم.. اسمك إبراهيم.. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة؟
قلت: نعم.
قال: انظر إلى يمينك.. فنظرت إلى يميني، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها، وتلبس ثيابًا بيضًاء، وعمائم بيضاء. وتابع الرجل قوله: اتبع هؤلاء، لتعرف الحقيقة!
واستيقظت من النوم، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني، ولكني لست مرتاحًا عندما أخذت أتساءل.. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي؟ وصممت على مواصلة المشوار، مشوار البحث عن الحقيقة، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله I. فأخذت إجازة من عملي، ثم بدأت رحلة بحث طويلة، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجالٍ يلبسون ثيابًا بيضاء، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا.
وطال بحثي وتجوالي، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال، ويضعون على رءوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة "جوهانسبرج"، حتى إنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي إفريقيا في هذا المبنى، وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة، فظن أنني شحاذٌ، ومد يده ببعض النقود، فقلت له: ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا؟ فدلني على مسجد قريب.. فتوجهت نحوه.. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري، فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابًا بيضاء، ويضع على رأسه عمامة. ففرحت، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي.. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى، فإذا بالرجل يبادرني قائلاً، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة: مرحبًا إبراهيم! فتعجبت وصعقت بما سمعت! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرِّفه بنفسي.
فتابع الرجل قائلاً: لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده.. الإسلام.
فقلت له: نعم، أنا أبحث عن الحقيقة، ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ما تلبس.. فهل يمكنك أن تقول لي، من ذلك الذي رأيت في منامي؟
فقال الرجل: ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق، رسول الله ! ولم أصدق ما حدث لي، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه، وأقول له: أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم، أتاني ليدلني على دين الحق؟قال الرجل: أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة.
ثم جاء وقت صلاة الظهر، فأجلسني الرجل في آخر المسجد، وذهب ليصلي مع بقية الناس، وشاهدت المسلمين -وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل- شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله، فقلت في نفسي: والله إنه الدين الحق، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سُجَّدًا لله.
وبعد الصلاة ارتاحت نفسي، واطمأنت لما رأيت وسمعت، وقلت في نفسي: والله لقد دلني الله I على الدين الحق، وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي، ونطقت بالشهادتين، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا؛ فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية.
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلاً، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا، يدعون الناس للإسلام، وفرحت بصحبتي لهم، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي، أنكروا عليَّ ذلك، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلاً. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني؛ لتركي دين آبائي وعشيرتي. وقالوا لي: لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك!
فقلت لهم: لم يخدعني ولم يضلني أحد.. فقد جاءني رسول الله محمد في منامي ليدلني على الحقيقة، وعلى الدين الحق.. إنَّه الإسلام، وليس دين الهنود كما تدعونه.. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام.
فبهتوا! ثم جاءوني من باب آخر، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب.
فقالوا لي: إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة!
فرفضت كل ذلك، وقلت لهم: أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني؟! والله لن أفعل ذلك، ولو قطعت إربًا. ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام، فأسلم اثنان من القسس، والحمد لله.
فلما رأوا إصراري، سحبوا كل رتبي ومناصبي، ففرحت بذلك، بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك، ثم قمت وأرجعت لهم ما لديَّ من أموال وعهدة، وتركتهم.
قصة إسلام إبراهيم سيلي، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور "عبد الخالق ميتر" سكرتير مكتب الرابطة بجنوب إفريقيا، وكذلك بحضور شخصين آخرين.. وأصبح القس سيلي الداعية "إبراهيم سيلي" المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب إفريقيا. ودعوت القس إبراهيم -آسف الداعية إبراهيم سيلي- لتناول طعام الغداء بمنزلي، وقمت بما ألزمني به ديني، فأكرمته غاية الإكرام، ثم ودعني إبراهيم سيلي؛ فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة في رحلة عمل، حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون.ثم عدت لجنوب إفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ، فعرفته، وسلمت عليه.
وسألته: ماذا تفعل هنا يا إبراهيم؟
قال لي: إنني أجوب مناطق جنوب إفريقيا، أدعو إلى الله، وأنقذ أبناء جلدتي من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام.
وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همُّه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرًا نحو آفاق رحبة.. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله.. ولقد شاهدته وقد تغيَّر وجهه، واخلولقت ملابسه، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة! ولم يمد يده يريد دعمًا!
وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين: أنتم أناس تلعبون بالدعوة.. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله!!
نعم إخواني، لقد تقاعسنا وتثاقلنا إلى الأرض، وغرتنا الحياة الدنيا.. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي، والداعية الإسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين!! فيا رب رحماك!!
كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب إفريقي السابق الرئيس "نلسون مانديلا"، شخصية كانت تهتم بالنصرانية، وتروج وتدعو لها.. إنها شخصية "القسيس سيلي". لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة "عبد الخالق ميتر"؛ حيث أخبرني أن قسيسًا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر مهم.
وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكمًا، وأصبح عضوًا في رابطة الملاكمة بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة، شديد سواد البشرة، دائم الابتسام. جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف. فقلت له: أخي سيلي، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام؟ ابتسم سيلي وقال: نعم، بكل تأكيد. وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام، وركزوا لما قاله لي، ثم احكموا بأنفسكم.
قال سيلي: كنت قسيسًا نشطًا للغاية، أخدم الكنيسة بكل جدٍّ واجتهاد، ولا أكتفي بذلك، بل كنت من كبار المنصِّرين في جنوب إفريقيا، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالتنصير بدعم منه، فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي.
فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا؛ لكي أصل إلى مبتغاي، وأدخل الناس في دين النصرانية. وكانت الكنيسة تغدق عليَّ، فأصبحت غنيًّا، لديَّ منزل، وسيارة، وراتب جيد، ومكانة مرموقة بين القساوسة.
وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي، وهناك كانت المفاجأة! ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية، وكان تاجرًا يبيع الهدايا، وكنت ألبس ملابس القسيسين الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا. وعرفت أن الرجل مسلم -ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب إفريقيا: دين الهنود، ولا نقول دين الإسلام- وبعد أن اشتريت ما أريد من هدايا, بل قُلْ من فخاخ نوقع بها السذج من الناس، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي، كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين والجنوب إفريقيين؛ لنخدعهم بالدين المسيحي وننصّرهم.فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس، أليس كذلك؟
فقلت له: نعم.
فسألني: من هو إلهك؟
فقلت له: المسيح هو الإله.
فقال لي: إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في الإنجيل تقول على لسان المسيح شخصيًّا أنه قال: أنا الله، أو أنا ابن الله، فاعبدوني.
وإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة، ولم أستطع أن أجيبه، وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة، وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله.
وأسقط في يدي، وأحرجني الرجل، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلاً بدون اتجاه معين.
ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر، ولكنني عجزت وهزمت. فذهبت للمجلس الكنسي، وطلبت أن أجتمع بأعضائه، فوافقوا. وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت، فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي: خدعك الهندي، إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم: إذن أجيبوني، وردُّوا على تساؤله، فلم يُجِبْ أحد!
وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة، ووقفت أمام الناس لأتحدث، فلم أستطع، وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة، وطلبت من صديق لي أن يحل محلي، وأخبرته بأنني منهك.. وفي الحقيقة كنت منهارًا، ومحطمًا نفسيًّا. وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه، ثم رفعت بصري إلى السماء، وأخذت أدعو، ولكن أدعو مَن؟ لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق.. وقلت في دعائي: "ربي.. خالقي. لقد أُقفلت الأبواب في وجهي غير بابك، فلا تحرمني من معرفة الحق، أين الحق؟ وأين الحقيقة؟ يا رب.. يا رب.. لا تتركني في حيرتي، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة". ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي.. إذا بي أرى في المنام أنى في قاعة كبيرة جدًّا، ليس فيها أحد غيري، وفي صدر القاعة ظهر رجل، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق، ولكني أيقنت بأنه رجل منير.فأخذ الرجل يشير إليَّ وينادي: يا إبراهيم! فنظرت حولي لأشاهد من هو إبراهيم؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة.فقال لي الرجل: أنت إبراهيم.. اسمك إبراهيم.. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة؟
قلت: نعم.
قال: انظر إلى يمينك.. فنظرت إلى يميني، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها، وتلبس ثيابًا بيضًاء، وعمائم بيضاء. وتابع الرجل قوله: اتبع هؤلاء، لتعرف الحقيقة!
واستيقظت من النوم، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني، ولكني لست مرتاحًا عندما أخذت أتساءل.. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي؟ وصممت على مواصلة المشوار، مشوار البحث عن الحقيقة، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله I. فأخذت إجازة من عملي، ثم بدأت رحلة بحث طويلة، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجالٍ يلبسون ثيابًا بيضاء، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا.
وطال بحثي وتجوالي، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال، ويضعون على رءوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة "جوهانسبرج"، حتى إنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي إفريقيا في هذا المبنى، وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة، فظن أنني شحاذٌ، ومد يده ببعض النقود، فقلت له: ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا؟ فدلني على مسجد قريب.. فتوجهت نحوه.. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري، فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابًا بيضاء، ويضع على رأسه عمامة. ففرحت، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي.. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى، فإذا بالرجل يبادرني قائلاً، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة: مرحبًا إبراهيم! فتعجبت وصعقت بما سمعت! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرِّفه بنفسي.
فتابع الرجل قائلاً: لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده.. الإسلام.
فقلت له: نعم، أنا أبحث عن الحقيقة، ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ما تلبس.. فهل يمكنك أن تقول لي، من ذلك الذي رأيت في منامي؟
فقال الرجل: ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق، رسول الله ! ولم أصدق ما حدث لي، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه، وأقول له: أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم، أتاني ليدلني على دين الحق؟قال الرجل: أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة.
ثم جاء وقت صلاة الظهر، فأجلسني الرجل في آخر المسجد، وذهب ليصلي مع بقية الناس، وشاهدت المسلمين -وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل- شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله، فقلت في نفسي: والله إنه الدين الحق، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سُجَّدًا لله.
وبعد الصلاة ارتاحت نفسي، واطمأنت لما رأيت وسمعت، وقلت في نفسي: والله لقد دلني الله I على الدين الحق، وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي، ونطقت بالشهادتين، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا؛ فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية.
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلاً، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا، يدعون الناس للإسلام، وفرحت بصحبتي لهم، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي، أنكروا عليَّ ذلك، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلاً. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني؛ لتركي دين آبائي وعشيرتي. وقالوا لي: لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك!
فقلت لهم: لم يخدعني ولم يضلني أحد.. فقد جاءني رسول الله محمد في منامي ليدلني على الحقيقة، وعلى الدين الحق.. إنَّه الإسلام، وليس دين الهنود كما تدعونه.. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام.
فبهتوا! ثم جاءوني من باب آخر، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب.
فقالوا لي: إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة!
فرفضت كل ذلك، وقلت لهم: أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني؟! والله لن أفعل ذلك، ولو قطعت إربًا. ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام، فأسلم اثنان من القسس، والحمد لله.
فلما رأوا إصراري، سحبوا كل رتبي ومناصبي، ففرحت بذلك، بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك، ثم قمت وأرجعت لهم ما لديَّ من أموال وعهدة، وتركتهم.
قصة إسلام إبراهيم سيلي، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور "عبد الخالق ميتر" سكرتير مكتب الرابطة بجنوب إفريقيا، وكذلك بحضور شخصين آخرين.. وأصبح القس سيلي الداعية "إبراهيم سيلي" المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب إفريقيا. ودعوت القس إبراهيم -آسف الداعية إبراهيم سيلي- لتناول طعام الغداء بمنزلي، وقمت بما ألزمني به ديني، فأكرمته غاية الإكرام، ثم ودعني إبراهيم سيلي؛ فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة في رحلة عمل، حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون.ثم عدت لجنوب إفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ، فعرفته، وسلمت عليه.
وسألته: ماذا تفعل هنا يا إبراهيم؟
قال لي: إنني أجوب مناطق جنوب إفريقيا، أدعو إلى الله، وأنقذ أبناء جلدتي من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام.
وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همُّه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرًا نحو آفاق رحبة.. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله.. ولقد شاهدته وقد تغيَّر وجهه، واخلولقت ملابسه، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة! ولم يمد يده يريد دعمًا!
وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين: أنتم أناس تلعبون بالدعوة.. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله!!
نعم إخواني، لقد تقاعسنا وتثاقلنا إلى الأرض، وغرتنا الحياة الدنيا.. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي، والداعية الإسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين!! فيا رب رحماك!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق